عروسة الإسماعيلية..ماذا لو كان رد الضربة بعشرة أمثالها؟
ما الذي يحدث في منظومة الزواج في مصر في وقتنا الحالي؟ أظن أنه لا يوجد فترة تعرضت فيها النساء إلى العنف الزوجي مثل تلك الفترة التي نعيشها. كل يوم تخرج علينا الأخبار بخبر قتل زوجة أو ضربها حتى الإعاقة أو الموت. أو زوج يقوم بتهديد زوجته بصورها الحميمية معه في غرفة نومه وهما زوجان على شرع الله وسنة رسوله. هناك خلل حادث في المجتمع هذا لا شك فيه، لكن هناك خلل في رؤيتنا للزواج من الأساس. وآخر ما فتحنا عيننا عليه كان عروسة الإسماعيلية. تلك الفتاة التي لا حول لها ولا قوة التي “أكلت علقة ساخنة” يوم عرسها فهاجت الدنيا وأظن أنها سكتت..وليتها لم تسكت.
عروسة الإسماعيلية ..ده عادي عندينا
بالرغم أن الموضوع شخصي جداً إلا أنه يخص كل امرأة وأم في المجتمع العربي، وخاصة بعدما سمح الإعلام لهذا الرجل بالظهور وهو في حالة من الفرحة وأمامه طبق الحمام ليعلن للعالم أن ضرب النساء شيء عادي عندهم “لايف ستايل يعني”. وترد الفتاة أنها “أنا اللي عصبته وده عادي”.
الفتاة، تلك المذنبة البريئة
في البداية أنا لا ألوم الفتاة، بل أضع نفسي مكانها. إنها فتاة لأسرة ترى أن ضرب المرأة عادة يومية، فما الذي عاصرته طوال سنين عمرها سوى ذلك. لكن دعونا مثلاً نفترض أنها معترضة، وأنها تُقتل نفسياً كل يوم على المصير الأبدي الذي وجدت نفسها فيه، فما الذي بيدها؟. أظن أن هذه الفتاة ليس في يدها أي سلاح يساعدها على الاستقلال المادي والابتعاد عن تلك الأسرة اللي “الضرب عادي عنديها”.. بل هل هناك أي ضامن يؤمن حياتها لو قررت الفرار؟..هذه أسئلة لابد أن يهتم بها كل عامل بشؤون المرأة في مصر وكل مدافع عنها. كيف ندعم الفتيات والسيدات المعرضات للعنف ماديا ومعنوياً ونجد من القوانين ما يحفظ سلامتهن الجسدية؟. وحتى إن كانت الفتاة لا تشعر بالاعتراض واعتادت على العنف حتى صار لديها منهجا مقبولاً -وأشك في ذلك-. فدعونا نطرح السؤال الأهم كيف نحمي الفتيات الأخريات من الوقوع تحت براثن هذا التفكير.
عندما يصنع الإعلام من المجرم بطلاً
المشهد الأغرب في هذا العبث الدائر هو أن قنوات الإعلام تعاملت مع الرجل وكأنه قام بشيء عادي يمكن مناقشته وسمحوا له بإخراج فعلته بطريقة “شيك”..وبدلاً من أن نجد إعلامي يحاوره ويضعه أمام فعلته التي تعتبر جريمة سمح له أن “ياخد اللقطة” ويظهر أمام الجميع بصورة رجل لم يرتكب أي شيء يخالف أعراف مجتمعه، بل يقوم بالعادي، وزوجته توافقه في مشهد أبعد من مشاهد الكوميديا السوداء المبتذلة. لم توجه للرجل كلمة عن أن ضرب المرأة ليس إلا همجية، لم يقل له أحد أن ما فعله مُحرم في كل الشرائع، لم يجرؤ أحد أن يقول له أن “عنديكم” ليس سوى مكان يحكمه الجهل وأن عليك أن تعترف بأنه جريمة لا أن تكون فخوراً بها.
لماذا تحول الزواج إلى منظومة عنف؟
هناك كثير من التغيرات التي حدثت على منظومة الزواج في مصر، فهو صار أبعد شيء عن السكن والسكينة وتكوين الأسرة والبحث عن شركاء. لكن صار مجالاً للسيطرة، وكل طرف يحاول أن يأخذ ما يستطيع، وإذا كانت المرأة أضعف فهي الطرف الذي يقدم أكبر مقدار من التنازل “وياكل الضرب كله”..
وفي ظني أن أكثر النساء المعرضات للعنف هن أقلهن دخلاً أو اللاتي لا دخل لهن على الإطلاق، أو السيدات اللاتي لا يوجد لديها شخص حامي في العائلة، أو لديها رصيد يحميها سواء مادي أو اجتماعي. بالطبع هناك سيدات في الطبقات الأكثر غنى يتعرضن للتعنيف، لكن النسبة الأكبر تكون في الطبقات الأكثر فقراً وجهلاً.
سوف أرد الضربة
اتذكر الآن حديث واحدة من الصديقات التي كانت تحكي عن العريس المنتظر المقدم من خلال زواج الصالونات. في أول لقاء بينها سألها عن ردة فعلها إذا حكمت الظروف مرة وقام بضربها إذا خانته أعصابه. فقالت هي الأخرى سوف تخونني أعصابي وأضربك..تقول إنه اختفى بعد هذا الحوار.
بالطبع لا نريد أن يكون العنف المتبادل هو أسلوب الحوار، لكن إليكم تفكير رجل يريد بناء أسرة، إنه لم يسأل كيف سوف تعينه على الحياة، لكنه سألها كيف سوف تتقبل الضربة. وهنا لابد من أن نسأل “كيف تربي الأمهات الرجال في هذا الزمن؟”.
وهنا علينا أن نسأل أيضا كيف تساعد المرأة نفسها على رد الضربة، وهنا لا أقصد أن تقوي من عضلاتها لكي يتحول المنزل إلى ساحة عنف. لكن عضلات المرأة تكمن في طريقة التفكير التي تجعلها تختار الزوج المؤتمن وليس الزوج الفحل أو الزوج “الجاهز المرتاح”..عضلات المرأة عندما تكون قادرة على إنهاء علاقة مؤذية سواء بدنياً أو معنوياً. أما السلاح الأهم هو سلاح القانون، القانون الذي ينفذ على رجل ثبت إهانته وعنفه تجاه المرأة، حتى لو تنازلت، فلابد أن لا يتنازل القانون حماية للمجتمع، وتقاليده، ولكل نسائه.