ما الذي نريده من الأصدقاء عندما نفضل “الصمت”؟
الصمت .. يشغلني دائماً سؤال حول ما الذي نريده من الأصدقاء؟ إن العلاقات الإنسانية محيرة إلى درجة كبيرة، ما نحتاجه اليوم نجد أنفسنا في حاجة إلى عكسه تماماً، نعتقد في الكثير من الأمور ثم تأتي موجات التجارب لتغيرنا ومن ثم يتغير ما نعتقده وما نحتاجه وما نأمل فيه.. وهذا ما يحدث لنا مع الأصدقاء وما يحدث للأصدقاء معنا.. هذه هي الحياة، لكن كيف نَعبُر؟ كيف نستمر دون عتاب الآخرين ولومهم لنا و دون الوقوع في خانة أننا أصدقاء سيئون، بل كيف نستمر دون أن نعتقد أن الآخرين سيئون وعلاقاتهم معنا صارت مرهقة إلى حد كبير؟ لا أعتقد أنه من الممكن أن أعطي إجابة واثقة، لكن دعونا نستعرض بعض التجارب ربما يكون داخلها إشارة أو علامة تدلنا على الطريق.
هذا ما أردته من أصدقائي عندما فضلت الصمت
في واحدة من القصص المنشورة على الإنترنت للمدونة “Amber Leventry”، تحكي عن تجربتها مع صديقتها المفضلة، كانت حياة كل واحدة منهم مختلفة، العمل والأطفال أخذوا الكثير من وقتهم، كان وقت الحديث لا يزيد عن خمس دقائق، وتبادل الرسائل النصية يكون على فترات متباعدة، لكنها لم تشعر أبداً بالغضب من صديقتها، بل كانت على ثقة دائمة أنها سوف تكون موجودة في الوقت الذي تحتاجها إليه.
وأكثر ما جعلها ممتنة لهذا أنها تريد أن يشعر باقي أصدقائها بنفس الشعور تجاهها، فإذا فضلت الصمت، الابتعاد، أو أخذتها موجات الحياة بعيداً فهي تريد من أصدقائها أن يتفهموا هذا الوضع وفي نفس الوقت يكونوا واثقين أن الأمر لا علاقة له بإهمالهم، لكنها ما زالت على نفس الدرجة من الحب وموجودة لمساعدتهم، لكن الوقت والظروف تغلبنا في كثير من الأحيان.
نحتاج من الأصدقاء المزيد من التفهم
تكمل Amber Leventry وجه آخر للتجربة، وهي المتعلقة في رأيي ببعض الأشياء التي نريدها من الأصدقاء، وتكمن أولها في الابتعاد عن اللوم والعتاب، قامت Amber Leventry بنشر بعض الصورة الخاصة بها وصديقتها على مواقع التواصل حيث كانوا في نزهة سوياً، لكن الأمر ربما لم يروق لصديقة لها، وتعرضت Amber للعتاب الشديد “كيف أنها لم تدعوها معهم إلى هذا اليوم” وتقول أنه وبالرغم من ذلك هي نفسها تقوم بنشر العديد من الصور لرحلاتها دون أن تدعوها معهم.
في ظني أن كل منا مَر بهذا الموقف، وفي كثير من الأحيان نواجه الأصدقاء الذين لا يفعلون أي شيء سوى عتابنا على كل نفس قمنا بتنفسه، كيف لم نتصل بهم من أيام، لماذا لم نبدأ بالسؤال عليهم، لماذا أهملنا دعوتهم إلى يوم خرجنا في مع أصدقاء آخرين، لماذا تأخرنا في الرد على الرسائل، ثم قائمة طويلة تبدأ بكلمة “لماذا؟” ولا تنتهي إلى بشعور قاتل من الإرهاق والتعب ومحاولات لا تنتهي من التبرير..هل هذا ما نريده من الأصدقاء؟ بالطبع لا.
إذاً ما الذي نريده حقاً؟ أظن المزيد من التفهم، المراعاة، محاولة الفهم، الشعور بالتعاطف، أن يعلموا أن الأمر غير متعلق بمشكلة معهم على قدر الظن بأن المشكلة في كثير من الأحيان تكون في أنفسنا وفي حاجتنا الطويلة إلى الصمت، إلى الشعور أن هناك من يحاول أن يطمئن فقط علينا دون إرهاقنا، أن تمر المكالمة التليفونية بكلمات مثل “أنا هنا أسمعك” “عندما تريد لشخص مخلص يساعدك سوف تجدني” “مهما كان ما تواجهه أنا أتفهم جيداً وسوف أحاول أن أساعدك قدر المستطاع”.. هذا شيء بسيط نستطيع أن نفعله بسهولة تامة.
لكن مهلاً، هذا ما ننتظره من الآخرين، لكن هل تساءلنا ما الذي ينتظره الآخرون منا؟
قبل الإجابة دعونا ندقق من قبل في مواقفنا السابقة، بالتأكيد في أوقات كثيرة شعرنا بالغضب ناحية بعض الأصدقاء حين أهملوا السؤال عنا، ربما شعرنا بالغيرة إذا لم تتم دعوتنا للخروج مع البعض.. هذه مشاعر طبيعية..لكن لو وضعنا أنفسنا في مكان الأصدقاء سوف نخلق نحن لهم العديد من التبريرات التي تساعدنا على التعاطف معهم وعلى أن يظلوا على نفس القدر من الأهمية لدينا.. إذاً ما ننتظره من الآخرين لابد أن نطبقه علينا أولاً.
الصمت كيف تتغير الأشياء؟
دعوني الآن أن أشارككم بتجارب مماثلة مرت بها، بل من المؤكد أن الكثير منكم أيضاً فعلوا، كان لي أصدقاء ثم لم يكونوا فما الذي حدث؟
صديقة مقربة للغاية، تعودنا على مشاركة كل شيء، الأحاديث اليومية، الأحلام والأمنيات البعيدة والمواقف التي لا تنتهي… ثم ماذا بعد؟ تزوجت الصديقة قلت الأشياء التي نتشاركها، قلت الأحاديث والموقف..ثم ماذا بعد؟ أنجبت صديقتي طفل وطفلين صارت المشاركات قليلة والأحاديث..صديقتي ليست شريرة، إنها لم تتغير، إن مشاعرها تجاهي لم تخفت أو تمضي أعرف أنها سوف تكون بجانبي حين أحتاجها، لكن الذي تغير هو ظروف حياتها أو ما يطلق عليه (سُنة الحياة) لذا تراجعت أنا في الصفوف للوراء، قد يسبب الأمر الحزن لبعض الوقت، قد يؤلم، أشعر بالفقد كثيراً لكني أعرف أنها موجودة وأني في قلبها ما زلت أنا.
أنا صديقة مقربة لواحدة من أجمل الشخصيات كنا أيضاً نتشارك كل شيء، فجأة اضطرني العمل إلى بقاء الكثير من الوقت خارج المنزل، لا أستطيع أن أرد على المكالمات الشخصية إلا في وقت متأخر بعد أن تنتهي كل مهامي، لدي الكثير من الأشياء لأنجزها، طموحي يشدني كل يوم إلى مهمة أبعد من الأخرى، أنا أفتقد صديقتي، لكني لا أجد الوقت، لكن هناك شيء آخر صار كل كلامي معها عن عملي وصار كل كلامها عن الأسرة والأولاد، وقعنا في فخ الحديث المنفرد عن الذات، صار هناك شهور لا نعرف شيئاً عن بعضنا البعض، ثم سنوات، قابلتني الصديقة بالكثير من العتاب، وفعلت المثل، قال لماذا لم تبحثي عن فرددت بالمثل، قالت كنت تستمعين لنفسك فقط فقلت لها أنت أيضاً فعلت المثل… أنا وهي مخطئين، أنا وهي مقصرين، لم تتغير المشاعر، تغيرت الظروف، لكن لم يبذل أحد مجهود كافي للاحتفاظ بالآخر، ربما مشاعرنا لم تتغير لكننا استسلمنا بسرعة ولم نقاوم، فقدنا التعاطف، فقدنا التفهم. فقدنا الرغبة في الاستماع أكثر من الحديث.
هذه بعض التجارب..لكني عرفت عن الحياة شيئاً مهماً وهي أنها تتغير، والمشكلة الكبيرة تكمن في توقع المزيد من الآخرين، في أن يكونوا هم الأبطال الثانويون في حكايتنا ونرفض أن نتبادل الأدوار وحيث يحدث ذلك نبدأ في توجيه العتاب ونصبح مُرهقين، والأصدقاء المقربون يفعلون ذلك.
أظن أن موضوعنا لم ينتهي بعد ولن ينتهي أبداً، إذا لماذا لا نفتح الباب إلى المزيد من القصص، سوف أحكي لكم المزيد، لكني أحتاج منكم أيضاً بعض الحكايات عن الأشياء التي احتجناها من الأصدقاء ولم نجدها وتعالوا نتعلم سوياً من هذه التجارب بعض الأشياء عن الحياة.